الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقوله: {مَن فِي النار} نائب فاعل (بورك) والعرب تقول: بارك الله، وبارك فيك، وبارك عليك، وبارك لك. فهي أربع لغات. قال الشاعر:
وقال أبو طالب بن عبد المطلب برثي مسافر بن أبي عمرة بن أمية: وقال آخر: والآيات في هذه القصة الدالة على أنه أراه آية اليد والعصا ليتمرن على ذلك قبل حضوره عند فرعون وقومه، وأنه ولى مدبرًا خوفًا منها في المرة الأولى لما صارت ثعبانًا- جاءت في مواضع متعددة. كقوله تعالى في سورة (طه): {قَالَ أَلْقِهَا ياموسى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تسعى قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الأولى واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سواء آيَةً أخرى} [طه: 19-22]. فقوله: {وَلاَ تَخَف} يدب على أنه فزع منها لما صارت ثعبانًا مبينًا. كما جاء مبينًا في (النمل والقصص). وقوله في آيى (طه) هذه {مِنْ غَيْرِ سواء} أي من غير برص. وفيه ما يسميه البلاغيون احتراسًا، وكقوله تعالى في سورة (النمل): {ياموسى إِنَّهُ أَنَا الله العزيز الحكيم وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ ولى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ياموسى لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ المرسلون إَلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سواء فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سواء فِي تِسْعِ آيَاتٍ إلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا فَاسِقِينَ} [النمل: 9-12] الآية. وقوله في (القصص): {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ ولى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ياموسى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمنين اسلك يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سواء واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرهب فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا فَاسِقِينَ} [القصص: 31-32]. والرهانان المشار إليهما بقوله: {فذانك برهانان} هما اليد والعصا. فلما تمرن موسى على البرهانين المذكورين، وبلغ الرسالة هووأخوه إلى فرعون ملئه طالبوه بآية تدل على صدقه- فجاءهم بالبرهانين المذكروين، ولم يخف من الثعبان الذي صارت العصا إياه كما قال تعالى: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين فألقى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} [الشعراء: 30-33] ونحوها من الآيات.وقوله في (النمل، والقصص): {ولم يعقب} أي لم يرجع من فراره منها. يقال: عقب الفارس إذا كر بعد الفرار. ومنه قوله: وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} أي قرَّب الله موسى في حال كونه نجيًا. أي مناجيًا لربه. وإتيان الفعيل بمعنى الفاعل كثير كالعقيد والجليس. وقال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: روى ابن جرير حدثنا ابن بشار حدثنا يحيى هو القطان، حدثنا سفيان عن عطاء بن يسار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} قال: ادنى حتى سمع صريق القلم. وهكذا قال مجاهد وأبو العالية وغيرهم. يعنون صريف القلم بكتابة التوراة. وقال السدي {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} قال: أدخل في السماء فكلم. وعن مجاهد نحوه. وقال عبد الرزاق عن معمون عن قتادة {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} قال نجيابصدقه- اه محل الغرض من كلام ابن كثير رحمه الله تعالى.وقوله تعالى في طه: {اشدد بِهِ أَزْرِي} [طه: 31] اي قوني به. والأزر: القوة. وآزره: اي قواه. وقوله في القصص: {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} [القصص: 35] اي سنقويك به. وذلك لأن العضد هو قوام اليد، وبشدتها تشتد اليد، قال طرفة: وقوله: {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} [القصص: 34] أي معينًا، لأن الردء اسم لكل ما يعان به، ويقال ردأته اي أعنته.{وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53)}.معنى الآية الكريمة: أن الله وهب لموسى نبوة هارون. والمعنى أنه سأله ذلك فآتاه سؤله. وهذا المعنى أوضحه تعالى في آيات أخر، كقوله في سورة (طه) عنه: {واجعل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشدد بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِي} [طه: 29-32] - إلى قوله: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى} [طه: 36]، وقوله في (القصص): {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهِ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إني أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ اتبعكما الغالبون} [القصص: 33-35]، وقوله في سورة (الشعراء): {وَإِذْ نادى رَبُّكَ موسى أَنِ ائت القوم الظالمين قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ قَالَ رَبِّ إني أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إلى هَارُونَ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ قَالَ كَلاَّ فاذهبا بِآيَاتِنَآ إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فقولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ العالمين} [الشعراء: 10-16] فهذه الآيات تبين أنه سأل ربه أن يرسل معه أخاه، فأجاب ربه جل وعلا سؤاله في ذلك. وذلك يبين أن الهبة في قوله: {ووهبنا} هي في الحقيقة واقعة على رسالته لا على نفس هارون، لأن هارون أكبر من موسى، كما قاله أهل التاريخ. اهـ. .قال ابن عاشور: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى}.أفضت مناسبة ذكر إبراهيم ويعقوب إلى أن يذكر موسى في هذا الموضع لأنه أشرف نبي من ذرية إسحاق ويعقوب.والقول في جملة {واذكر} وجملة {إنه كان} كالقول في نظيريهما في ذكر إبراهيم عدا أن الجملة هنا غير معترضة بل مجرد استئناف.وقرأ الجمهور {مخلصًا} بكسر اللام من أخلص القاصر إذا كان الإخلاص صفته.والإخلاص في أمر ما: الإتيانُ به غير مشوب بتقصير ولا تفريط ولا هوادة، مشتق من الخلوص، وهو التمحض وعدم الخلط.والمراد هنا: الإخلاص فيما هو شأنه، وهو الرسالة بقرينة المقام.وقرأه حمزة، وعاصم، والكسائي، وخلف بفتح اللام من أخلصه، إذا اصطفاه.وخُص موسى بعنوان (المخلص) على الوجهين لأن ذلك مزيته، فإنه أخلص في الدعوة إلى الله فاستخف بأعظم جبار وهو فرعون، وجادله مجادلة الأكفاء، كما حكى الله عنه في قوله تعالى في سورة الشعراء (18، 19): {قال ألم نربك فينا وليدًا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين} إلى قوله: {قال أولو جئتك بشيء مبين}.وكذلك ما حكاه الله عنه بقوله: {قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين} [القصص: 17]، فكان الإخلاص في أداء أمانة الله تعالى ميزته.ولأن الله اصطفاه لكلامه مباشرة قبل أن يرسل إليه المَلك بالوحي، فكان مخلَصًا بذلك، أي مصطفى، لأن ذلك مزيته قال تعالى: {واصطنعتك لنفسي} [طه: 41].والجمع بين وصف موسى لأنه رسول ونبيء.وعطف {نبيئًا} على {رسولًا} مع أن الرسول بالمعنى الشرعي أخص من النبي، فلأن الرسول هو المرسلَ بوحي من الله ليبلغ إلى الناس فلا يكون الرسول إلا نبيئًا، وأما النبي فهو المنبّأ بوحي من الله وإن لم يؤمر بتبليغه، فإذا لم يؤمر بالتبليغ فهو نبيء وليس رسولًا، فالجمع بينهما هنا لتأكيد الوصف، إشارة إلى أن رسالته بلغت مبلغًا قويًا، فقوله نبيئًا تأكيد لوصف رسولًا.وتقدم اختلاف القراء في لفظ نبيئًا عند ذكر إبراهيم.وجملة وناديناه عطف على جملة إنه كان مخلصًا فهي مثلها مستأنفة.والنداء: الكلام الدال على طلب الإقبال، وأصله: جهر الصوت لإسماع البعيد، فأطلق على طلب إقبال أحد مجازًا مرسَلًا، ومنه {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} [الجمعة: 9]، وهو مشتق من الندى بفتح النون وبالقصر وهو بُعد الصوت.ولم يسمع فعله إلاّ بصيغة المفاعلة، وليست بحصول فعل من جانبين بل المفاعلة للمبالغة، وتقدم عند قوله تعالى: {كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء} في سورة البقرة (171)، وعند قوله: {ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان} في سورة آل عمران (193).وهذا النداء هو الكلام الموجه إليه من جانب الله تعالى. قال تعالى: {إني اصطفيتك على الناس برسالتي وبكلامي} في سورة الأعراف (144)، وتقدم تحقيق صفته هناك، وعند قوله تعالى: {حتى يسمع كلام اللَّه} في سورة براءة (6).والطّور: الجبل الواقع بين بلاد الشام ومصر، ويقال له: طور سيناء.وجانبه: ناحيته السفلى، ووصفه بالأيمن لأنه الذي على يمين مستقبل مشرق الشمس، لأن جهة مشرق الشمس هي الجهة التي يضبط بها البشر النواحي.والتقريب: أصله الجعل بمكان القرب، وهو الدنو وهو ضد البعد.وأريد هنا القرب المجازي وهو الوحي.فقوله: {نَجِيًّا} حال من ضمير {موسى}، وهي حال مؤكدة لمعنى التقريب.ونجّي: فعيل بمعنى مفعول من المناجاة.وهي المحادثة السرية؛ شُبّه الكلام الذي لم يكلم بمثله أحدًا ولا أطْلَع عليه أحدًا بالمناجاة.وفعيل بمعنى مفعول، يجيء من الفعل المزيد المجرد بحذف حرف الزيادة، مثل جليس ونديم ورضيع.ومعنى هبة أخيه له: أن الله عزّزه به وأعانه به، إذ جعله نبيئًا وأمره أن يرافقه في الدعوة، لأن في لسان موسى حُبسة، وكان هارون فصيح اللسان، فكان يتكلم عن موسى بما يريد إبلاغه، وكان يستخلفه في مهمات الأمة.وإنما جعلت تلك الهبة من رحمة الله لأن الله رحم موسى إذ يسّر له أخًا فصيح اللسان، وأكمله بالإنباء حتى يعلم مراد موسى مما يبلغه عن الله تعالى.ولم يوصف هارون بأنه رسول إذ لم يرسله الله تعالى، وإنما جعله مبلّغًا عن موسى.وأما قوله تعالى: {فقولا إنا رسولا ربك} [طه: 47] فهو من التغليب. اهـ..قال الشعراوي: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى}.وهذا أيضًا ركْب من ركْب النبوات، وقد أخذ قصة موسى عليه السلام حَيِّزًا كبيرًا من كتاب الله لم تأخذه قصة نبي آخر، مما دعا الناس إلى التساؤل عن سبب ذلك، حتى بنو إسرائيل يُفضّلون أنفسهم على الناس بأنهم أكثر الأمم أنبياءً، وهذا من غبائهم؛ لأن هذه تُحسَب عليهم لا لهم، فكثرة الأنبياء فيهم دليل على عنادهم وغطرستهم مع أنبيائهم.فما من أمة حيَّرتْ الأنبياء، وآذتْهم كبني إسرائيل؛ لذلك كَثُرَ أنبياؤهم، والأنبياء أطباء القِيَم وأُسَاة أمراضها، فكثرتهم دليل تقشِّي المرض، وأنه أصبح مرضًا عُضَالًا يحتاج في علاجه لا لطبيب واحد، بل لفريق من الأطباء.والبعض يظن أن قصة موسى في القرآن مجرد حكاية تاريخ، كما نقول نحن ونقصُّ: كان يا ما كان حدث كذا وكذا، ولو كانت قصة موسى في القرآن مجرد حكاية تاريخ لجاءتْ مرة واحدة. لكنها ليست كذلك؛ لأن الحكمة من قَصَّها على رسول الله كما قال تعالى: {وَكُلًا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرسل مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود: 120].إذن: فالهدف من هذا القَصَص تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته لقومه؛ لأنه سيتعرض لمواقف وشدائد كثيرة يحتاج فيها إلى تثبيت ومواساة وتسلية، فكلما جَدَّ بينه وبين قومه أمر قال له ربه: اذكر موسى حين فعل كذا وكذا، وأنت خاتم الرسل، وأنت التاج بينهم، فلابد لك أنْ تتحمَّل وتصبر.أما لو نزلت مثل هذه القصة مرة واحدة لكان التثبيت بها مرة واحدة، وما أكثر الأحداث التي تحتاج إلى تثبيت في حياة الدعوة.لذلك نجد خصوم الإسلام يتهمون القرآن بالتكرار في قصة موسى عليه السلام، وهذا دليلٌ على قصورهم في فَهْم القرآن، فهذه المواضع التي يروْنَ فيها تكرارًا ما هي إلا لقطات مختلفة لموضوع واحد، لكن لكل لقطة منها موقع وميلاد، فإذا جاء موقعها وحان ميلادها نزلتْ.ومما رأوا فيه تكرارًا، وليس كذلك قوله تعالى عن موسى عليه السلام طفلًا: {عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ} [طه: 39] ونتساءل: متى تستعر العداوة بين عدوين؟ إنْ كانت العداوة من طرف واحد فإن الطرف الآخر يقابلها بموضوعية ودون لَدَدٍ في الخصومة إلى أنْ تهدأ العداوة بينهما، فهو عدو دون عداوة، فحينما يراه صاحب العداوة على هذا الخُلق يصرف ما في نفسه من عداوة له، كما قال تعالى: {ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]. أمّا إنْ كانت العداوة بين عدوَّيْن حقيقيين: هذا عدو وهذا عدو، هنا تستعر العداوة، وتزكو نارها، ويحتدم بينهما صراع، ولابد أنْ يصرَع أحدهما الآخر.والحق تبارك وتعالى حينما تكلّم عن موسى وفرعون، جعل العداوة مرة من موسى في قوله تعالى: {فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8]. فالعداوة هنا من موسى ليفضح الله أمر فرعون، فها هو يأخذ موسى ويُربِّيه، وهو لا يعلم أنه عدو له، وعلى يديْه ستكون نهايته غريقًا، فالمقاييس عنده خاطئة، وهو يدَّعِي الألوهية. ومرة أخرى يُثبت العداوة من فرعون في قوله تعالى: {يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ} [طه: 39]. فالعداوة هنا من فرعون: إذن: فالعداوة من الطرفين، لذلك فالمعركة بينهما كانت حامية.كذلك من المواضع التي ظنوا بها تكرارًا قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليم وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تحزني إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المرسلين} [القصص: 7].وفي آية أخرى يقول تبارك وتعالى: {إِذْ أَوْحَيْنَآ إلى أُمِّكَ مَا يوحى أَنِ اقذفيه فِي التابوت فاقذفيه فِي اليم فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ} [طه: 38-39].والمستشرقون أحدثوا ضجة حول هذه الآيات: لأنهم لا يفهمون أسلوب القرآن، وليست لديهم الملَكَة العربية للتلقِّي عن الله، فهناك فَرْق بين السياقين، فالكلام الأول: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليم} [القصص: 7] هذه أحداث لم تقع بعد، إنها ستحدث في المستقبل، والكلام مجرد إعداد أم موسى للأحداث قبل أنْ تقعَ.أمّا المعنى الثاني فهو مباشر للأحداث وقت وقوعها؛ لذلك جاء في عبارات مختصرة كأنها برقيات حاسمة لتناسب واقع الأحداث: {أَنِ اقذفيه فِي التابوت فاقذفيه فِي اليم} [طه: 39].كما أن الآية الأولى ذكرت: {فَأَلْقِيهِ فِي اليم} [القصص: 7] ولم تذكر التابوت كما في الآية الأخرى: {أَنِ اقذفيه فِي التابوت فاقذفيه فِي اليم} [طه: 39].إذن: ليس في المسألة تكرار كما يدَّعي المغرضون؛ فكل منهما تتحدث عن حال معين ومرحلة من مراحل القصة.
|